خطبة الجمعة المذاعة والموزعة
بتاريخ 26 من رجب 1444هـ - الموافق 17 / 2 / 2023م
] وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ[
إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ. ) يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ( [آل عمران:102].
أَمَّا بَعْدُ:
فَاعْتَصِمُوا بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ؛ فَإِنَّ خَيْرَ الْكَلَامِ كَلَامُ اللهِ، وَخَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَإِنَّ شَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا.
مَعَاشِرَ الْمُسْلِمِينَ:
إِنَّ مِنْ أَرَفْعِ مَقَامَاتِ الْعُبُودِيَّةِ وَأَجَلِّ الْعِبَادَاتِ الْقَلْبِيَّةِ؛ مَقَامَ التَّوَكُّلِ عَلَى اللهِ تَعَالَى، وَتَفْوِيضِ الْأُمُورِ إِلَيْهِ؛ فَهُوَ مِنْ خَيْرِ مَسَالِكِ الصَّالِحِينَ، وَأَعْلَى مَدَارِجِ السَّالِكِينَ، وَلَا يَقُومُ بِهِ عَلَى وَجْهِ الْكَمَالِ إِلَّا خَوَاصُّ عِبَادِ اللهِ الْمُؤْمِنِينَ، وَقَدْ أَمَرَ بِهِ تَعَالَى وَحَضَّ عَلَيْهِ فِي غَيْرِ آيَةٍ مِنْ كِتَابِهِ الْعَزِيزِ، فَقَالَ عَزَّ مِنْ قَائِلٍ: ]رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلًا[ [المزمل:9]، وَقَالَ تَعَالَى: ] وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ[ [يوسف:67]، وَجَعَلَ اللهُ تَعَالَى التَّوَكُّلَ مِنْ فَرَائِضِ الْإِيمَانِ؛ فَقَالَ: ] وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ[ [التغابن:13]، وَعَظَّمَ شَأْنَ التَّوَكُّلِ فَقَرَنَهُ بِعِبَادَتِهِ؛ قَالَ تَعَالَى: ] فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ[ [هود:11]، وَحَثَّ عَلَيْهِ أَنْبِيَاؤُهُ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ؛ قَالَ تَعَالَى: ]وَقَالَ مُوسَى يَاقَوْمِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ * فَقَالُوا عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ[ [يونس:84-85].
وَالتَّوَكُّلُ عَلَى اللهِ تَعَالَى مِنْ أَعْظَمِ أَسْبَابِ دُخُولِ الْجِنَانِ وَتَحْصِيلِ رِضَا الرَّحْمَنِ، بَلْ هُوَ سَبَبٌ لِدُخُولِ الْجَنَّةِ بِغَيْرِ حِسَابٍ وَلَا عَذَابٍ؛ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مِنْ أُمَّتِي سَبْعُونَ أَلْفًا بِغَيْرِ حِسَابٍ، هُمُ الَّذِينَ لَا يَسْتَرْقُونَ، وَلَا يَتَطَيَّرُونَ، وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ»، وَزَادَ فِي رِوَايَةٍ: «وَلَا يَكْتَوُونَ» [رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ].
وَالتَّوَكُّلُ- عِبَادَ اللهِ- مِنْ أَعْظَمِ أَسْبَابِ الْخُرُوجِ مِنَ الْمَصَائِبِ، وَجَلْبِ الْأَرْزَاقِ وَالرَّغَائِبِ؛ فَالْمُتَوَكِّلُ يَعِيشُ فِي حَسْبِ اللهِ وَكِفَايَتِهِ، وَيَجْرِي فِي عَيْنِ اللهِ وَرِعَايَتِهِ؛ قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: ] وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ[ [الطلاق:2-3]، وَعَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّهُ سَمِعَ نَبِيَّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «لَوْ أَنَّكُمْ تَتَوَكَّلُونَ عَلَى اللَّهِ حَقَّ تَوَكُّلِهِ لَرَزَقَكُمْ كَمَا يَرْزُقُ الطَّيْرَ، تَغْدُو خِمَاصًا، وَتَرُوحُ بِطَانًا» [رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ]، فَمَنْ حَقَّقَ التَّوَكُّلَ عَلَى اللهِ بِقَلْبِهِ سَاقَ إِلَيْهِ رِزْقَهُ بِأَدْنَى سَبَبٍ وَأَيْسَرِ سَعْيٍ؛ قَالَ بَعْضُ السَّلَفِ: (تَوَكَّلْ تُسَقْ إِلَيْكَ الْأَرْزَاقُ بِلَا تَعَبٍ وَلَا تَكَلُّفٍ)؛ فَالْمُتَوَكِّلُ عَلَى اللهِ تَعَالَى يَحْصُلُ لَهُ بِتَوَكُّلِهِ مِنْ جَلْبِ الْمَنْفَعَةِ وَدَفْعِ الْمَضَرَّةِ مَا لَا يَحْصُلُ لِغَيْرِهِ.
وَقَدْ عُنِيَ سَلَفُ الْأُمَّةِ بِالتَّوَكُّلِ عَلَى اللهِ، وَحَثِّ النَّاسِ عَلَى الْعِنَايَةِ بِهِ؛ قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ -رَحِمَهُ اللهُ-: «التَّوَكُّلُ عَلَى اللَّهِ جِمَاعُ الْإِيمَانِ»، وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ -رَحِمَهُ اللهُ-: «أَفْضَلُ الْعِلْمِ الْوَرَعُ وَالتَّوَكُّلُ»، وجَاءَ رَجُلٌ إِلَى وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ -رَحِمَهُ اللهُ- فَقَالَ: عَلِّمْنِي شَيْئًا يَنْفَعُنِي اللَّهُ بِهِ. قَالَ: (أَكْثِرْ مِنْ ذِكْرِ الْمَوْتِ، وَأَقْصِرْ أَمَلَكَ، وَخَصْلَةٌ ثَالِثَةٌ إِنْ أَنْتَ أَصَبْتَهَا بَلَغْتَ الْغَايَةَ الْقُصْوَى وَظَفِرْتَ بِالْعِبَادَةِ. قَالَ: مَا هِيَ؟ قَالَ: التَّوَكُّلُ).
أَيُّهَا الْـمُسْلِمُونَ:
إِنَّ حَقِيقَةَ التَّوَكُّلِ مُرَكَّبَةٌ مِنْ أُمُورٍ لَا يَتِمُّ التَّوَكُّلُ إِلَّا بِهَا. فَأَوَّلُهَا: مَعْرِفَةُ الرَّبِّ عَزَّ وَجَلَّ وَصِفَاتِهِ، مِنْ قُدْرَتِهِ وَكِفَايَتِهِ وَقَيُّومِيَّتِهِ، وَانْتِهَاءِ الْأُمُورِ إِلَى عِلْمِهِ، وَصُدُورِهَا عَنْ مَشِيئَتِهِ وَقُدْرَتِهِ.
وَثَانِيهَا: رُسُوخُ تَوْحِيدِ اللهِ فِي الْقَلْبِ؛ فَلَا يَسْتَقِيمُ تَوَكُّلُ الْعَبْدِ حَتَّى يَصِحَّ لَهُ تَوْحِيدُهُ، ومَتَى الْتَفَتَ الْعَبْدُ إِلَى غَيْرِ اللَّهِ نَقَصَتْ شُعْبَةٌ مِنْ شُعَبِ تَوَكُّلِهِ.
وَثَالِثُهَا: اعْتِمَادُ الْقَلْبِ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى وَسُكُونُهُ إِلَيْهِ، فَلَا يَسْكُنُ إِلَى الْأَسْبَابِ وَلَا يَرْكَنُ إِلَيْهَا، بَلْ يَخْلَعُهَا مِنْ قَلْبِهِ، وَيُلْبِسُهُ السُّكُونَ إِلَى خَالِقِهَا، فَلَا يُبَالِي بِإِقْبَالِ الْأَسْبَابِ وَإِدْبَارِهَا؛ سُئِلَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ -رَحِمَهُ اللهُ-: أَيُّ شَيْءٍ صِدْقُ التَّوَكُّلِ عَلَى اللهِ ؟ قَالَ: (أَلَّا يَكُونَ فِي قَلْبِهِ أَحَدٌ مِنَ الْآدَمِيِّينَ يَطْمَعُ أَنْ يَجِيئَهُ بِشَيْءٍ).
وَرَابِعُهَا: تَفْوِيضُ الْأُمُورِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى، حَتَّى يَرَى الْعَبْدُ أَنَّ تَدْبِيرَ اللهِ تَعَالَى لَهُ خَيْرٌ مِنْ تَدْبِيرِهِ لِنَفْسِهِ، فَلَا يَجِدُ لَهُ أَصْلَحَ وَلَا أَرْفَقَ مِنْ تَفْوِيضِ أُمُورِه إِلَى خَالِقِهِ وَبَارِيهِ.
وَخَامِسُهَا: إِثْبَاتُ الْأَسْبَابِ الَّتِي قَدَّرَهَا اللهُ عَزَّ وَجَلَّ لِحُصُولِ الْمَطْلُوبِ وَدَفْعِ الْمَرْهُوبِ؛ فَمَنْ أَنْكَرَ الْأَسْبَابَ لَمْ يَسْتَقِمْ تَوَكُّلُهُ.
فَمَتَى تَحَقَّقَ الْعَبْدُ بِهَذِهِ الْمَقَامَاتِ وَقَعَتْ قَدَمُهُ عَلَى التَّوَكُّلِ، وَأَثْمَرَ اللهُ فِي قَلْبِهِ رِضًا بِقَضَائِهِ وَقَدَرِهِ، وَإِيمَانًا رَاسِخًا فِي الْقَلْبِ، وَعَزِيمَةً عَلَى الْخَيْرِ وَالْبِرِّ.
بَارَكَ اللهُ لِي وَلَكُمْ فِي الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ، وَنَفَعَنِي وَإِيَّاكُمْ بِمَا فِيهِ مِنَ الآيَاتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ، أَقُولُ قَوْلِي هَذَا، وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ فَاسْتَغْفِرُوهُ؛ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.
الخطبة الثانية
الْحَمْدُ لِلَّهِ وَحْدَهُ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى مَنْ لَا نَبِيَّ بَعْدَهُ، وَأَشْهَدُ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا.
أَمَّا بَعْدُ:
فَإِنَّ تَحْقِيقَ التَّوَكُّلِ عَلَى اللهِ - أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ- وَتَفْوِيضَ الْأُمُورِ إِلَيْهِ، وَالِاسْتِسْلَامَ لِحُكْمِهِ وَقَضَائِهِ لَا يُنَافِي السَّعْيَ فِي الْأَسْبَابِ الَّتِي قَدَّرَ اللهُ سُبْحَانَهُ بِهَا الْمَقْدُورَاتِ، وَجَرَتْ سُنَّتُهُ فِي خَلْقِهِ بِذَلِكَ؛ فَإِنَّ اللهَ تَعَالَى أَمَرَ بِتَعَاطِي الْأَسْبَابِ مَعَ أَمْرِهِ بِالتَّوَكُّلِ؛ فَالسَّعْيُ فِي الْأَسْبَابِ بِالْجَوَارِحِ طَاعَةٌ لَهُ، وَالتَّوَكُّلُ بِالْقَلْبِ عَلَيْهِ إِيمَانٌ بِهِ، كَمَا قَالَ اللهُ تَعَالَى: ]يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ[ [النساء:71]، وَقَالَ تَعَالَى: ]وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ[ [الأنفال:60]، وَقَالَ تَعَالَى: ]فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ[ [الجمعة:10]، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَعْقِلُهَا وَأَتَوَكَّلُ، أَوْ أُطْلِقُهَا وَأَتَوَكَّلُ؟ قَالَ: «اعْقِلْهَا وَتَوَكَّلْ» [رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ الْأَلْبَانِيُّ]، وَقَدْ سُئِلَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ -رَحِمَهُ اللهُ- عَنْ رَجُلٍ جَلَسَ فِي بَيْتِهِ أَوْ فِي الْمَسْجِدِ وَقَالَ: لَا أَعْمَلُ شَيْئًا حَتَّى يَأْتِيَنِي رِزْقِي. فَقَالَ: (هَذَا رَجُلٌ جَهِلَ الْعِلْمَ) ثُمَّ قَالَ- رَحِمَهُ اللهُ-: (كَانَ الصَّحَابَةُ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ- يَتَّجِرُونَ وَيَعْمَلُونَ فِي نَخِيلِهِمْ، وَالْقُدْوَةُ بِهِمْ)، وَسَأَلَ رَجُلٌ الْفُضَيْلَ بْنَ عِيَاضٍ- رَحِمَهُ اللهُ- فَقَالَ: لَوْ أَنَّ رَجُلًا قَعَدَ فِي بَيْتِهِ، وَزَعَمَ أَنَّهُ يَثِقُ بِاللهِ فَيَأْتِيهِ بِرِزْقِهِ؟ فَقَالَ الْفُضَيْلُ: (لَمْ يَفْعَلْ هَذَا الْأَنْبِيَاءُ وَلَا غَيْرُهُمْ، وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آجَرَ نَفْسَهُ، وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ، وَلَمْ يَقُولُوا: نَقْعُدُ حَتَّى يَرْزُقَنَا اللهُ عَزَّ وَجَلَّ).
وَمَعَ ذَلِكَ؛ فَلَا يَجُوزُ لِلْإِنْسَانِ أَنْ يَعْتَمِدَ عَلَى الْأَسْبَابِ الَّتِي قَدَّرَهَا اللهُ وَلَا يَرْكَنَ إِلَيْهَا؛ فَإِنَّ مِنْ تَمَامِ التَّوَكُّلِ: قَطْعَ عَلَاقَةِ الْقَلْبِ بِالْأَسْبَابِ، وَتَعْلِيقَهُ بِالْعَزِيزِ الْوَهَّابِ.
وَأَعْظَمُ مِنْ ذَلِكَ: تَعْلِيقُ الْقُلُوبِ بِالْأَمْوَاتِ وَالْغَائِبِينَ، وَالتَّوَكُّلُ عَلَيْهِمْ، وَتَفْوِيضُ الْأُمُورِ إِلَيْهِمْ، فَذَلِكُمُ الشِّرْكُ الَّذِي نَهَى اللهُ عَنْهُ، وَعَظَّمَ خَطَرَهُ، وَأَبْعَدَ صَاحِبَهُ وَطَرَدَهُ، فَاللهَ اللهَ -عِبَادَ اللهِ- فِي تَوْحِيدِ رَبِّكُمْ وَتَعْلِيقِ الْقُلُوبِ بِهِ، وَالِاعْتِمَادِ عَلَيْهِ، وَخَلْعِ كُلِّ مَنْ سِوَاهُ؛ قَالَ تَعَالَى: ] فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا[ [الكهف:110].
اللَّهُمَّ احْفَظْنَا بِالْإِسْلَامِ قَائِمِينَ، وَاحْفَظْنَا بِالْإِسْلَامِ قَاعِدِينَ، وَاحْفَظْنَا بِالْإِسْلَامِ رَاقِدِينَ، وَلَا تُشْمِتْ بِنَا أَعْدَاءً وَلَا حَاسِدِينَ. اللَّهُمَّ إِنَّا نَعُوذُ بِكَ أَنْ نُشْرِكَ بِكَ شَيْئًا وَنَحْنُ نَعْلَمُهُ، وَنَسْتَغْفِرُكَ لِمَا لَا نَعْلَمُهُ.
اللَّهُمَّ أَبْرِمْ لِهَذِهِ الأُمَّةِ أَمْرَ رُشْدٍ، يُعَزُّ فِيهِ أَهْلُ الْإِيمَانِ، وَيُذَلُّ فِيهِ أَهْلُ الشِّرْكِ وَالْكُفْرَانِ، وَيُهْدَى فِيهِ أَهْلُ الْعِصْيَانِ، اللَّهُمَّ وَفِّقْ أَمِيرَ الْبِلَادِ وَوَلِيَّ عَهْدِهِ لِهُدَاكَ، وَاجْعَلْ أَعْمَالَهُمَا فِي طَاعَتِكَ وَرِضَاكَ، وَاجْعَلِ الْكُوَيْتَ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً سَخَاءً رَخَاءً وَسَائِرَ بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ، وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ؛ الْأَحْيَاءِ مِنْهُمْ وَالْأَمْوَاتِ؛ إِنَّكَ سَمِيعٌ قَرِيبٌ مُجِيبُ الدَّعَوَاتِ.
لجنة إعداد الخطبة النموذجية لصلاة الجمعة